لما أسكن الله آدم -عليه السلام-الجنة مشى فيها مستوحشاً، فخُلقت حواء، فلما رآها قال: من أنت؟ قالت: امرأة خُلِقتُ من ضلعك لتسكن إلي. وليحدث التوافق بينهما. ونتيجة لذلك كان من الأسباب الفطرية التي تدفع على اختيار شريك الحياة هي السكينة القلبية والانجذاب الروحي اللذان يشعر بهما المرء خلال بحثه أو اختياره لشريك حياته وكأنه عائد إلى وطنه وسُكناه الحقيقي.
أهمية التوافق
علاوة على ذلك تأتي أهمية التوافق الفكري والأخلاقي على رأس أسباب الاختيار الصائب، وإن كنت أرجح أن يكون الرجل أعلى درجة من المرأة في مختلف جوانب الحياة؛ كي يظل بالنسبة لها مصدراً ذاخراً لكل ما تطلبه. كذلك التريث في الاختيار وتجنب العجلة في ذلك الأمر بالتحديد يعد من أهم الأمور رسوخاً في أذهان العقلاء، فالخيبات النفسية التي قد تُجنى من عدم التوافق وانعدام القدرة على تحمل ما خُفي من الطباع قد يؤدي إلى ما لا يُحمد عواقبه.
ضرورة الصدق
وتتمثل ضرورة الصدق بين الزوجين في أن يُخبر كل منهما الآخر عن عيوبه تماماً كما يستفيض في سرد مميزاته. وهذا لا حرج فيه بل هو الأصلح من البداية حتى يتبين لكلا منهما ما يمكن تحمله والتعامل معه من هذه العيوب، كي تستقيم الحياة بينهما فيما بعد، ولا تنهار علاقاتهما مع أول ظهور لعيوب أحدهما، وعليه يتضح لكل منهما ما إذا كان الآخر سيكون على استعداد لتقديم ما يحتاجه من الدعم والصبر والطمأنينة أم لا، ولربما يساعد ذلك في حسم الأمر منذ البداية.
ما تبحث عنه المرأة من أجل التوافق
من الأشياء التي تبحث عنها المرأة في شريك حياتها هي التقدير والثقة والمودة وألا ينتابُها شعور بالخوف معه، بل تُهرول إليه في فرحها وألمِها كطفلة صغيرة تحتضن أمانها ومأمنها، وتسعي جاهدةً إلى طاعة الله فيه محبة وودا ووفاء، ليس لأنه أعلى الرجال منزلةً، أو أوسمهم مظهراً، أو اكثرهم مالاً، ولكن فقط لكونه أنيس أيامها ورفيق روحها وثمرة جهادها.
نعم .. ولتوضيح ذلك نذكر ما رواه الطبري وأبو يعلى عن أنس رضي الله عنه أنه قال: أتت النساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلن: يا رسول الله: ذهب الرجال بالفضل بالجهاد في سبيل الله، فما لنا عمل ندرك به عمل الجهاد في سبيل الله؟ قال: مهنة أحدكن في بيتها تدرك عمل المجاهدين في سبيل الله. ومن الراسخ في عقيدة النساء أنها تبحث أول ما تبحث عن التقي الخلوق.
ما يبحث عنه الرجل
وبالمثل، الرجل يأمل في الزوجة السكن والمحبة واللين، يأمل فيها الحكمة والعقل والقوة، فالرجل ينظر إلى زوجته كأنها العالم بأثره؛ راحته في أوقات عامرة بالمحبة والألفة، وجيشه الأول عندما تعزوه الهموم والصعاب وكأنه يهتدي بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك عندما ذهب أول ما ذهب إلي خديجة رضي الله عنها بعد نزول الوحي عليه وبحكمتها وقلبها الحنون طمأنته وسندته حتى توفاها الله. فكان جزاء ذلك أنها ظلت حاضرة في ذاكرته صلي الله عليه وسلم يُكرم صديقاتها ولا يسأم من الثناء عليها. وكم من النماذج التي ساندت فيها المرأة الزوج وكذلك التي أعان فيها الزوج زوجته.
ثوب الكمال
لا يخلو الفرد منا من الأخطاء، ولا يوجد على الأرض من هو أجدر بثوب الكمال من غيره، ولكن ليس بالضرورة أن تُبرر الأخطاء وتُعلق على تلك الشماعة؛ فما يمكن تغيره إسع إلى تغيره، ليس عيبًا أن يغير المرء شيئًا في طبعه من أجل شريك حياته طالما أنه سيتغير للأفضل والأقوم، بل بالعكس يمطر ذلك عليهما بالمزيد من السكينة والمحبة التي تُرسخ الروابط الروحية والقلبية بينهما، فهي لا تُزاحم نقاشات السيدات عن مساوئ الزوج بل تذكره بالخير وتعمل على تحسين صورته حيثما حل ذكره، وبالمثل هو لا يسير على خطى سي السيد بل يتجمل حديثه بذكره لزوجته، يُعلي قدرها ولا ينكر معروفها.
ليست المدينة الافلاطونية
قد يتسرب إلى أذهان البعض أن ما أقوله دربا من الخيال ولا وجود له في ظل المادية المسيطرة على العالم حالياً، وفي ظل ندرة ذوي الأخلاق والدين، ولكن التفاهم والحب والتقبل والسعي من الطرفين في أن يكون كل منهما سكن الآخر ومأمنه وأن يأخذ بيده إلى ما فيه الخير له ويعمل دوماً على إقامته إذا مال عن الاستقامة الإلهية والعطاء الّا متناهي من المودة والرحمة والنصح والإعانة على الدنيا وما فيها.
التوافق بين الزوجين يؤدي إلى السعادة
كل ذلك وغيره، لم يكن لينبع إلا من قلوب نقية ونفوس سوية تبني بيتاً عامراً دافئاً يُكرم فيه الضيف ويتسع للصغير والكبير للغريب والقريب. ويكون منبعًا لكل خير فهو قائم على قلبين تحابا في الله أكرم كل منهما الآخر قبل أن يكرما ضيفهما واتسع قلب كل منهما لآمال الآخر وتقلباته ومخاوفه. على مثل هذا تُبني الأسر وتُعمر البيوت، على مثل هذا يزداد الحب والاخلاص بين الازواج وعلي مثله تهون الدنيا وينشط العزم للعمل للآخرة.
تابعوا آخر أخبار فكرة عبر Google News