المجتمع

شنودة .. قضية صراع بين “قال الله وقال السلف”

شنودة .. قضية مجتمع وقضاء، يحتاجان لإعادة حساباتهما قبل أن يتحولا إلى وحش ينهش أجساد المخالفين لهم ولأفكارهم أينما كانوا.

لنتخيل أن طفلا بلا أبوين مرميا في مكان عام، تشفق عليه عائلة غريبة عنه فتتبناه كابن لها. وبعد أربع سنوات من التربية والرعاية والحب يأتي قرار حكومي ويأخذ الطفل من حضن هذه العائلة! والسبب لأن قانون الدولة “إسلامي” والعائلة “مسيحية” والطفل يولد على دين الفطرة!

شنودة .. حديث المصريين

طفل مصري لم يتجاوز الرابعة من عمره صار حديث المصريين بعد أن أقرت النيابة العامة بإيداعه دار رعاية بدلاً من البقاء مع أبويه بالتبني، بسبب خلاف حول ديانته.

الطفل قصته ابتدأت منذ أربع سنوات تقريبا، عندما عثرت “آمال ميخائيل” على رضيع عمره يوم واحد في دورة مياه كنيسة كانت تذهب إليها في محافظة الجيزة. “آمال” اعتبرته هدية من الله، وقررت تربيته رعايته كابن لها ولزوجها بعد أن أخذت موافقة الكاهن المسؤول عن الكنيسة، فـ “آمال” لم يرزقها الله بطفل طوال 26 عاماً من زواجها.

شنودة هدية من الله

“آمال” وزوجها “فاروق فوزي” أطلقا اسم “شنودة” على ابنهما الجديد. واستمرا في رعايته واعتبراه ابن لهما. غير أن إحدى أقارب الأب تقدمت ببلاغ للشرطة تتهم “فاروق” بنسب الطفل له بما يمنح ” شنودة” حقاً في الميراث. مما دفع النيابة العامة إلى فتح تحقيق بحضور مسؤولي وزارة التضامن الاجتماعي، واستجوبت فاروق وآمال اللذين أقرا بأنهما لم ينجبا شنودة.

تغير شنودة المسيحي إلى يوسف المسلم

النيابة قررت بعد الاستماع للشهود بتسليم الطفل إلى دار رعاية لكونه غير مؤهل عن اتخاذ أي قرار. كما أقرت بتغيير ديانته إلى الإسلام وكذلك اسمه ليكون “يوسف” بدل “شنودة”. وذلك استناداً إلى المادة الثانية من الدستور المصري التي تقر بأن “الإسلام هو دين الدولة”، وبالتالي فإن الطفل اللقيط طالما لم تتوصل التحقيقات إلى ديانة أبويه فهو مسلم طبقاً للدستور إلى أن يثبت المدعي العكس. ولم تتخذ النيابة أي إجراء ضد الزوجين، واعتبرت أنهما حسنا النية.

تساؤلات أمام المجتمع والقضاء

ماذا لو كانت القضية معكوسة؟ بمعنى أن دين الدولة مسيحي والعائلة مسلمة، هل كان سيكون قرار النيابة العامة بجعله مسيحي؟ وتغيير اسمه من يوسف إلى شنودة؟ هل سيقبل المسلمون هذا الفعل؟ أم أن ما يحل لهم يحرم على البقية والعكس صحيح؟

سؤال آخر، لما كل هذا؟ هل المهم شكل الدولة وهيبتها؟ أم الحياة الرعاية والحنان الذي وجده الطفل في حضن “آمال وفاروق”؟ وأيهما أفضل، أن يكمل الطفل حياته في دار أيتام تحت مسمى “لقيط” في ظل مجتمع لا يرحم اللقطاء؟ أم يستمر في حياته كإنسان طبيعي تحت رعاية أبوين؟ هل ديننا رحمة؟ أم عناء؟ كيف سنواجه العالم ونحن ننتزع الأطفال من عائلاتهم بلا رحمة؟

المجتمع بحاجة لإعادة حساباته

في القانون المصري ليس هناك نص صريح بواقعة الطفل “شنودة”، بل أن قرار النيابة جاء باجتهاد شخصي من المحققين. فقد استندت النيابة على مبدأ “الإسلام هو دين الدولة” وبالتأكيد فإن قاضي التحقيق قد دار في مخيلته أن الإنسان يولد على دين الفطرة “الإسلام”، لذلك قرر ما قرر. دون مراعاة نفسية الطفل الذي تعود على أبويه أو نفسية الأم والأب، أو نفسية الإنسان!

لكن على المجتمع المصري بشكل خاص والعربي بشكل عام وضع حد لتدخلات الاجتهادات الشخصية لبعض مسؤولين وهم يعيثون بحياة الناس فسادا وبغيا وطغيانا. “آمال وفاروق” بشهادة الشهود كانا يراعيانه بحب وحنان ولم يقصران في حقه. فعلى أي أساس فعلت النيابة فعلتها وفرقت بينهم؟ أم هي اجتهادات المتنفذين الذين أوصلوا مجتمعاتنا إلى الخراب بحجة الحفاظ على الدين. ولا أعلم من أعطاهم الحق ليكونوا أوصياء على خلق الله؟

لمزيد من المقالات يرجى الضغط هنا

زر الذهاب إلى الأعلى