الفيتو مجلس الأمن، دواعيه وموجباته وهل هو حق دائم؟

شيء من التاريخ في منظور الحاضر
أفرزت الحرب العالمية الثانية مجموعة من النتائج. لعل من أبرزها وأهمها إنشاء هيئة الأمم المتحدة على أنقاض عصبة الأمم التي وُصفت بالفشل من معظم دول العالم. سواء المنضوية تحت لوائها أو تلك التي لم تنضوي. لكونها فشلت في حل معظم القضايا الكبيرة التي قامت من أجلها. ولعل من أهمها تفادي قيام حرب عالمية جديدة بعد الحرب الكونية الأولى.
بديل عصبة الأمم
ومنذ مطلع أربعينيات القرن العشرين، سعت الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي وبريطانيا. إلى أيجاد منظمة عالمية جديدة تكون بديلا عن عصبة الأمم لإدارة وتنظيم عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية. وتعمل على إنهاء الاستعمار بكافة أشكاله. وعدم السماح بإجراء تغييرات في حدود الدول إلا بموافقة شعوبها. وإعطاء الحق لكل أمة في اختيار نوع الحكم الذي ترتأيه. وإبعاد البشرية عن الحروب والخوف والفقر، والامتناع عن استعمال القوة بكافة أشكالها كوسيلة لتسوية الخلافات والمشاكل الدولية. ومنح حرية البحار لجميع الدول كبيرها وصغيرها. والعمل على إكمال التضامن الاقتصادي بين جميع الأمم. وتأكيد العمل للقضاء على أنظمة الحكم الدكتاتورية. وأن تقود المنظمة الدولية الجديدة أعضاؤها للعمل من أجل نشر واستتباب الأمن والسلام في العالم.
فكرة حق النقض الفيتو
قررت الدول الكبرى تقسيم هيئة الأمم المتحدة إلى عدة مؤسسات. من أهمها هو مجلس الأمن. المؤلف من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي وإنجلترا وفرنسا والصين. على أن تتمتع هذه الدول العظمى بحق النقض “الفيتو” على القرارات التي يتخذها المجلس حول القضايا التي تتعلق بالسلام والأمن الدوليين. فضلا عن ستة أعضاء آخرين غير دائمين يتم انتخابهم لمدة عامين غير قابلة للتجديد من قبل الجمعية العمومية للأمم المتحدة. على أن يراعى في ذلك التوزيع الجغرافي الذي عرف فيما بعد بـ (التوزيع القاري).
حق الفيتو حصرا للأعضاء دائمي العضوية
وبعد سنوات تمت زيادة عدد الدول الأعضاء غير الدائمين إلى عشرة أعضاء ليصبح عدد أعضاء مجلس الأمن الدولي خمسة عشر عضوا. الأعضاء الخمسة الكبار منهم، دائمي العضوية يتمتعون بحق النقض. أما الأعضاء العشرة الآخرين غير دائمي العضوية لا يملكون هذا الحق.
وتعد مسألة المحافظة على السلم والأمن الدوليين وإدامة زخمهما باستمرار، من أهم الوظائف والواجبات الأساسية لمجلس الأمن. ولاسيما بعد أن منح الصلاحيات الكاملة للتحقيق في المنازعات والخلافات والمشاكل الدولية. والعمل على تسويتها وإيجاد الحلول الكفيلة بـانهائها. كما منح المجلس حق (القمع) أي حق اتخاذ الإجراءات العقابية ضد الدول التي لم تمتثل لأوامره وقراراته. ففي حالة فشل جهود المجلس الدبلوماسية في حل نزاع ما بين دولتين أو أكثر.
كما يحق للمجلس اتخاذ تدابير عقابية ضد الدولة أو الدول التي ترفض تنفيذ قراراته. وعادة ما تكون تلك الإجراءات العقابية على مرحلتين. الأولى هي اتخاذ تدابير اقتصادية (عقوبات اقتصادية) وقطع العلاقات الدبلوماسية. وتليها اتخاذ تدابير عسكرية ضد هذه الدولة أو تلك. ومثل هذا ما حصل ضد كوريا عام 1950 والكونغو الشعبية عام 1960 والعراق عام 1991.
حق النقض “الفيتو”
أصرت الدول العظمى أثناء المداولات التي سبقت إنشاء هيئة الأمم المتحدة. على أن تمنح حقا او أفضلية أو مكاسب سياسية داخل هذه المنظمة. ولاسيما في اتخاذ القرارات المهمة. تلك المتعلقة بالسلام والأمن الدوليين. وأن لا يترك اتخاذ مثل هذه القرارات البالغة الخطورة وفق أهواء الدول الصغيرة. أو الدول التي لا تمتلك الخبرة والدراية الكافيتين في إدارة وتحليل قضايا وملفات ربما تهدد السلام والأمن الدوليين. فضلا عن ذلك، لابد للدول العظمى أن تكافأ على ما قدمته من دماء وأموال في الحرب، لنصرة السلام العالمي وإبعاد شعوب العالم عن شبح الحرب وويلاتها. وقضاؤها على الفاشستية الإيطالية والنازية الألمانية.
في نظرة متأنية للوضع السياسي الدولي الذي يحكم عالم اليوم، هل نرى فيه أو من خلاله عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية؟ وقد مضت عليها ما يقارب الثمانية عقود؟
في حقيقة الأمر، أن عالم ما بعد الحرب قد ولى وانتهى. وانتهت معه الأنظمة الدكتاتورية والانقلابات العسكرية والاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية. وتبعتهما الحرب الباردة. ودخل العالم في عصر جديد تحكمه حرية التجارة والاقتصاد وثورة المعلومات وثورة الاتصالات والأنترنت. وغزو الفضاء والحروب الليزرية والحروب عن بعد. وبروز الصين دولة عظمى وقوة اقتصادية هائلة. فضلا عن مجموعة من الدول الأخرى التي ساهمت وتساهم في الرقي البشري والعلمي والصناعي والتجاري. مثل ألمانيا وإيطاليا واليابان التي كانت قبل الحرب العالمية الثانية بؤرة الديكتاتورية ومعقلا للفكر المتشدد المدعوم بقوة السلاح، فضلا عن دول أخرى. أصبح تأثرها الاقتصادي والسياسي تأثيرا عالميا مثل الهند وكندا وأستراليا وكوريا الجنوبية والبرازيل وجنوب أفريقيا.
ماذا بقي من عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية؟
السؤال ببساطة يوجه إلى الدول التي كانت في يوم من الأيام تسمى دولا عظمى. هل بقي شيء من عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية التي تعكزتم على نتائجها طوال ثمانية عقود في غفلة من الزمن وغياب الوعي الدولي. واستحوذتم على حق تقرير مصير شعوب الأرض. وأصبحتم تملكون زمام هذا العالم وتتحكمون فيه وتسيرونه وفق أهواءكم ورغباتكم. وتصدرون أحكامكم الباطلة على الدول التي تخالف منهجكم وأوامركم.
ومن العدل أن نذكركم، حين صادرتم حقوق دول العالم عشية تأسيس هيئة الأمم المتحدة كان عدد الدول المنضوية تحت لواءها إحدى وخمسون دولة. أما اليوم فينضوي تحت لواءها أكثر من مائتي دولة. إذن لابد لدول العالم وشعوبها أن تعلن موقفا حاسما وقاطعا لإنهاء ما يعرف بـ (حق النقض) أو “الفيتو” في مجلس الأمن وجعل التصويت على قراراته بالأغلبية. وأن يعاد النظر بعدد أعضاء المجلس، بأن يُرفع إلى إحدى وعشرون عضوا. ولا ضير في إبقاء أعضاء دائمة العضوية الخمس في المجلس لكن بدون أن تتمتع بحق النقض. وأن تعمل الدول العربية على أن يكون لها ممثلا متغيرا وبشكل دائم في مجلس الأمن. وأن تتناوب على المقعد كل من مصر والسعودية والجزائر.
نظرة مستقبلية لمنظمة الأمم المتحدة
النظرة المستقبلية لمنظمة الأمم المتحدة قاتمة. فهي ما زالت ألعوبة بيد الدول الكبرى. ولا سيما الولايات المتحدة وروسيا. اللتان استخدمتا حق النقض كثيرا ولأسباب خاصة بمصالحها السياسية والاقتصادية. فأن لم تتمكن دول العالم من إيجاد حل لمشكلة “الفيتو”، فالعالم سيسير نحو التقسيم من جديد، دول المعسكر الغربي بزعامة الولايات المتحدة الامريكة ودول اوروبا الغربية، ودول المعسكر الشرقي بزعامة روسيا والصين ودولا أخرى. وربما إيجاد منظمة دولية جديدة تحل محل المنظمة الحالية. أو أن يكون لكل منهما منظمته الخاصة.
الحق والعدالة والسلام من وراء القصد.
لمزيد من المقالات يرجى الضغط هنا