المجتمعمقالاتالمقالات السياسية

التملق الدولي .. ظاهرة تدوس على كرامة الإنسان في العراق  

التملق، يعرفه علماء النفس، والسلوك الإنساني، بأنه إظهار المديح بشكل مبالغ، والهدف منه هو إثراء وإرضاء الشخص المراد مدحه، لإيجاد وسيلة للتقرب منه بغرض الانتفاع.

وفي التاريخ القديم، كان التملق حاضرا في بلاط الملوك والأمراء، والقادة. فكان المتملقون يكسبون مكانتهم بين حاشية الملوك، من خلال المديح، سواء المبالغ فيه أو الطبيعي. لكن هؤلاء غير مرحب بهم بين الناس. ومثال ذلك، ما صوره الشاعر “دانتي” في قصيدته “الكوميديا الإلهية“. إذ شبه المتملقين، بالسائرين في البراز الإنساني، واصفا كلماتهم بـ “الغائط.

التملق .. ظاهرة في المجتمع العراقي

خلال تعاقب الرؤساء، والزعماء في العراق، شهد الشعب العراقي العديد من الشخصيات التي حكمته خلال المائة العام الماضية. البعض كان وطنيا محبا لشعبه، والبعض كان خائنا للعراقيين، عميلا متملقا للدول المجاورة. وهناك من كان بين بين، لكنه يعشق المديح والتملق. وعليه وجد العراقيون أنفسهم يغالون في مديح زعماءهم، حالهم حال شعراء البلاط الأموي والعباسي. عندما كان الشاعر، يمدح الخليفة، فيأمر الخليفة بمنحه كيسا من الدنانير، أو جارية، أو منصب، أو بيت، أو جميعهم، إن كان ما قاله قد أعجب الخليفة.

وفي هذا السياق، نجد مئات الأغنيات، والقصائد، واللقاءات التلفزيونية تمجّد وتمدح بالزعماء، والمسؤولين السياسيين. حديثا نجد ما يعرف بـ “المهوال” وهو الشاعر الذي يمدح شيوخ العشائر، أو ما يعرفه العرب بـ “شاعر القبيلة”، قد يمدح هذا المسؤول أو ذاك، مقابل شيء من المال. وكأن الشعب العراقي نسي أن هؤلاء المسؤولون، ما هم سوى موظفون عاملون لديهم، مهاهم خدمة العراقيين فقط. فلماذا الشعب يمدح موظف يؤدي عمله إن كان هناك مرتبا مجزيا مقابل ذلك العمل؟

أسباب التملق

ربما يرجع التملق إلى سببين، أولهما، أن كثير من الناس، فقدوا عزة النفس. التي تُعد أم القيم النبيلة، والتي لم تضيع حتى في زمن الجاهلية. إذ كانت سلوكا مهما في حياة الناس. وثانيهما يعود إلى أن الإنسان، صار أكثر حبا للكذب، وسماع المديح، وفي حاجة دائمة لتجميل صورته، ولو بالزيف. فيجعله متمسك بكل المتزلفين، رغم إدراكه لحقيقة من يتملق له.

عزة النفس في خبر كان

ربما بسبب سياسة الحكام، السابقين، واللاحقين في العراق، أصبح العامل الأول للشعور بالدونية، الذي أشرنا إليه “عزة النفس” في عداد المفقودين. فمنذ تسعينيات القرن الماضي، والعراقيون لا يأكلون لقمة الخبز إلا إن كانت مغمسة في طبق الذل الحكومي. واستمروا على هذا الحال حتى يومنا هذا.

فكيف تكون للإنسان عزة نفس، وهو يأخذ رغيف الخبز، وهو مطأطأ الرأس، أمام من يمنحه ذلك الرغيف؟ تلك الطأطأة التي أنجبت في نفس “العراقي”، الشعور بالمهانة، لحرصه على رغيف الخبز، والتدفئة، وبعض من المال ليعيش في أرضه!

لمن يطأطأ رأسه العراقي اليوم؟

في الآونة الأخيرة، ومع توافد الجماهير الخليجية، إلى مدينة البصرة، لمشاهدة كأس الخليج 25، نجد الكثير من العراقيين قد تملقوا بشكل مخزي ومريب، لتلك الجماهير الوافدة إلى البصرة. فلا مشكلة في الترحيب بهم، واستقبالهم بأفضل استقبال. لكن لا يجب أن يكون على حساب عزة النفس، وكرامة الإنسان. فلماذا يستقبل بعض العراقيين، تلك الجماهير، بالتملق وتقبيل جوازات السفر؟

التملق لدول الجوار، لم يكن وليد اليوم، بل منذ عقدين تقريبا كان التملق حاضرا في نفوس العراقيين. فوجدنا العديد من أبناء الشعب العراقي وهو يمسحون أقدام الضيوف الإيرانيين وهو يزورون مدينة كربلاء. رغم أن المسح هيّن، فإن هناك من قبل تلك الأقدام!

الشعب على طبيعة حكامه

يعرف العراقيون جيدا، أن حكامهم وسياسييهم، متملقين للدول الأقوى منهم. فمنهم من يتملق لدول الجوار، ومنهم من يتملق تملقا عابرا للقارات! والنتيجة مسؤول حكومي متملق، وشعب خانع وراضي بفتات الخبز التي تقع من أفواه المسؤولين، كعادته.

يبدو أن الأجيال المقبلة، لن تعرف العيش مرفوعة الرأس. ولن تعرف معنى عزة النفس. فلا ضوء في نهاية النفق. فالطريق نحو كرامة الإنسان مظلمة في العراق.

لمزيد من المقالات يرجى الضغط هنا

زر الذهاب إلى الأعلى