الدوافع وآثارها على الإنسان

ما الذي يدفع الإنسان إلى مواصلة السعي لنيل ما يحلم به؟ لماذا يجاهد الإنسان فشله بعد كل محاولة إخفاق يمر بها؟ أن النفس البشرية مفطورة على السعي، والمحاولة مراراً وتكراراً للوصول للأهداف. الأمر الذي يطلق عليه علماء النفس الدوافع (محرك السلوك البشري). والدوافع كما ذكر دنيس وتلي مؤلف كتاب سيكولوجية الدوافع “تتحكم قوة رغباتنا في دوافعنا وبالتالي في تصرفاتنا” فعندما يكون لديك الرغبة المشتعلة للنجاح لن يستطيع أحد إيقافك. وتتعدد أنواع الدوافع ولكننا سنتطرق إلي نوعين فقط منها، وهي الدوافع الخارجية والدوافع الداخلية.
الاعتماد الكلي على الدوافع الخارجية
من منا لا تطرأ على ذهنه أفكار وأسئلة على شاكلة:
ماذا سيقول الناس عني؟
هل ستعجبه هذه الملابس. أم أشتري أخرى لنيل إعجابه؟
لو قلت كذا ربما سخر مني الحضور. لا سأظل صامتاً!
هذا اللون لا يعجب صديقتي. لن أرتديه!
ولكن دعني أسألك، هل توقفت للحظة محاولا منع تلك التيارات من الأفكار والأسئلة من الاستمرار، في آكل دماغك. وسألت نفسك لماذا؟! لماذا أطرح على نفسي هذه الأسئلة في كل مرة أكون فيها على موعد مع أحد. أو أجلس في اجتماع عائلي أو أذهب للنزهة مع أصدقائي؟ إن كانت إجابتك لكي أبدو في نظر الآخرين شخصاً لا مثيل له، وأحظى بإنبهارهم وإعجابهم. فأنت بكل تأكيد ممن يعتمدون اعتماداً كلياً على الدوافع الخارجية. والدوافع الخارجية هي أي عمل يقوم به الإنسان يكون بدافع نيل إعجاب وتقدير الآخرين فقط. وأنه لا يشعر بقيمة عمله وإن كان مفيداً. إلا إذا حظي بتقدير كثير من الناس.
خطر الدوافع الخارجية
قال الكاتب الأمريكي بنيامين فرانكلين “نظرات الآخرين لنا هي التي تهدمنا”. فرغم تعدد مصادر الدوافع الخارجية، إلا أن الإنسان حصرها جمعاء في آراء ونظرات الآخرين إليه، لمواصلة العمل والإنجاز. الأمر الذي قد يدفعه إلى التوقف عن العمل تماماً! ما هذا التناقض؟ هذا ما طرأ في ذهنك الآن صحيح؟
سأوضح لك؛ الأشخاص من حولك يرون النتائج. ولا علاقة لهم بما سبقها من مقدمات وخطوات للسعي وتحديات فهذا الأمر لا يعنيهم. كل ما يهمهم النتيجة. فإن لم تكن نتيجة عملك مرضية لهم، مع اختلاف وجهات نظرهم، فلن تحصل على أي تقدير. ولن يصفق لك أحد لمجرد أنك حاولت أو استمريت في المحاولة. وستشعر كما لو أنك كنت تحفر في بحر. الأمر الذي قد يدفعك بدوره إلى التوقف عن العمل، وعن المحاولة من جديد. وربما يصل بك إلى العزلة التامة عن الناس.
كل ذلك لأنك كنت تستمد قيمتك من الآخرين وليس من داخلك. تعمل لأجلهم وليس من أجل شيء تؤمن به، وتسعى لتحقيقه شيء يمثلك أنت، يعبر عن أفكارك ومواهبك وقدراتك شيء يحمل من روحك وجمال قلبك. وهنا تأتي أهمية الحديث عن الدوافع الداخلية.
الدوافع الداخلية وأهميتها
من المعروف في سيكولوجية علم النفس، أن الدوافع الداخلية تلك التي تنبع من الإنسان في رغبة منه لتحقيق ذاته. وبقدر قوة هذه الدوافع يصل الإنسان إلى ما يريد ويطمح. الأمر الذي سبق به القرآن الكريم كل العلوم المرتبطة بدراسة النفس البشرية. فقد قال- عز وجل- {إِنَّ اللّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} / الرعد: 11. وفسر السعدي- رحمه الله- هذه الآية فيما معناه، أن الإنسان هو الذي يغير وضعه فيكون مؤمناً وبنفسه يصبح كافراً، أو يكون على معصية ثم يصير من أهل التقوى. فالإنسان هو الذي يدفع بنفسه للهاوية وهو الذي يمد يد العون لنفسه لينقذها من أي محاولة لهدمها.
وقد يتطرق إلى ذهنك سؤالاً كيف أعرف دوافعي الداخلية؟ وكيف أحسن استغلالها في بث الحماس بي دائماً، لمواصلة العمل والإنجاز؟ ما يمكنني إرشادك به، هو عند قدومك على عمل ما أو خطوة جديدة في حياتك، فقط اسأل نفسك ما الذي سيجعلني أستمر؟ ما الذي سيدفعني للمحاولة مرة تلو الأخرى لأصل لما أريد؟ كما أن السؤال الأهم هل ما أنا مقدم على فعله يستحق؟ هل سيفيدني؟ هل سيجعلني فخور بنفسي حتى لو لم ينل إعجاب الآخرين؟ إجابتك على تلك الأسئلة بصدق ستجعلك تواصل السعي مؤمناً بالله أولا، ثم بنفسك وما وهبك إياه من قدرة جبارة على الإصلاح والعمل لتحقيق الأهداف. فالدوافع الداخلية كما ذكر الدكتور إبراهيم الفقي- رحمه الله- “هي القوة التي تدفعك إلى أن تزرع الزهور بنفسك… بدلاً من أن تنتظر أحدا يقوم بتقديمها لك.
مثال للدعم الذاتي
بعد تعيين الدكتور إبراهيم الفقي مديراً عاماً لأحد الفنادق الكبرى، انتظر أن يتلقى التهنئة من الكثير فطال انتظاره فقام بشراء باقة ورد جميلة وكتب على بطاقتها “عزيزي إبراهيم… أجمل التهنئة القلبية… أنا فخور جدا بنجاحك”. وكان التوقيع إبراهيم الفقي. وعندما دخل رئيسه إلى مكتبه وراء تلك البطاقة وما مكتوب عليها سأله بدهشة؛ هل أنت الذي أرسلت الورد لنفسك؟! قال نعم. لطالما انتظرت أن أتلقى باقة ورد من الآخرين فلما طال انتظاري قررت أن أقوم بذلك بنفسي. وقال كلمة ضعها أمام عينيك كلما تعرضت للنقد الهدام من الآخرين، قال “لم أجد أحد يقدرني أكثر مني” أنت أهم داعم في حياتك، احرص على ما ينفعك وانتبه لذاتك ووقتك جيداً.